كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومتى انتهى الأمر إلى شهوة النفس وهواها فلن يستقيم أمر. ولن يجدي هدى؛ لأن العلة هنا ليست خفاء الحق، ولا ضعف الدليل. إنما هي الهوى الجامح الذي يريد، ثم يبحث بعد ذلك عن مبرر لما يريد! وهي شر حالة تصاب بها النفس فلا ينفعها الهدى، ولا يقنعها الدليل!
ومن ثم يسأل في استنكار:
{أم للإنسان ما تمنى}..
فكل ما يتمنى يتحول إلى حقيقة وكل ما يهوى ينقلب إلى واقع! والأمر ليس كذلك. فإن الحق حق والواقع واقع. وهوى النفس ومناها لا يغيران ولا يبدلان في الحقائق. إنما يضل الإنسان بهواه. ويهلك بمناه. وهو أضعف من أن يغير أو يبدل في طبائع الأشياء. وإنما الأمر كله لله يتصرف فيه كما يشاء في الدنيا وفي الآخرة سواء:
{فلله الآخرة والأولى}..
ولا ننسى أن نلحظ هنا تقديم الآخرة على الأولى. لمراعاة قافية السورة وإيقاعها. إلى جانب النكتة المعنوية المقصودة بتقديم الآخرة على الأولى. كما هي طبيعة الأسلوب القرآني في الجمع بين أداء المعنى وتنغيم الإيقاع. دون إخلال بهذا على حساب ذاك! شأنه شأن كل ما هو من صنع الله. فالجمال في الكون كله يتناسق مع الوظيفة ويؤاخيها!
وإذا خلص الأمر كله لله في الآخرة والأولى. فإن أوهام المشركين عن شفاعة الآلهة المدعاة- من الملائكة- لهم عند الله. كما قالوا: {ما نعبدهم إلا ليقربونآ إلى الله زلفى}.. إن هذه الأوهام لا أصل لها. فالملائكة الحقة في السماء لا تملك الشفاعة إلا حين يأذن الله في شيء منها:
{وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئًا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى}..
ومن ثم تسقط دعواهم من أساسها، فوق ما فيها من بطلان تولى تفنيده في الآيات السابقة.
وتتجرد العقيدة من كل غبش أو شبهة. فالأمر لله في الآخرة والأولى. ومنى الإنسان لا تغير من الحق الواقع شيئًا. والشفاعة لا تقبل إلا بإذن من الله ورضى. فالأمر إليه في النهاية. والاتجاه إليه وحده في الآخرة والأولى.
وفي نهاية الفقرة يناقش للمرة الأخيرة أوهام المشركين- الذين لا يؤمنون بالآخرة- عن الملائكة؛ ويكشف عن أساسها الواهي، الذي لا ينبغي أن تقوم عليه عقيدة أصلًا:
{إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئًا}..
وهذا التعقيب الأخير يوحي بعلاقة اللات والعزى ومناة بأسطورة أنوثة الملائكة ونسبتهم إلى الله سبحانه! وهي أسطورة واهية، لا يتبعون فيها إلا الظن. فليس لهم من وسيلة لأن يعلموا شيئًا مستيقنًا عن طبيعة الملائكة. فأما نسبتهم إلى الله. فهي الباطل الذي لا دليل عليه إلا الوهم الباطل! وكل هذا لا يغني من الحق، ولا يقوم مقامه في شيء. الحق الذي يتركونه ويستغنون عنه بالأوهام والظنون!
وحين يبلغ إلى هذا الحد من بيان وهن عقيدة الشرك وتهافتها عند الذين لا يؤمنون بالآخرة، ويشركون بالله، وينسبون له البنات ويسمون الملائكة تسمية الأنثى! يتجه بالخطاب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليهمل شأنهم ويعرض عنهم، ويدع أمرهم لله الذي يعلم المسيء والمحسن، ويجزي المهدي والضال، ويملك أمر السماوات والأرض، وأمر الدنيا والآخرة، ويحاسب بالعدل لا يظلم أحدًا، ويتجاوز عن الذنوب التي لا يصر عليها فاعلوها. وهو الخبير بالنوايا والطوايا، لأنه خالق البشر المطلع على حقيقتهم في أطوار حياتهم جميعًا:
{فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى}..
هذا الأمر بالإعراض عمن تولى عن ذكر الله، ولم يؤمن بالآخرة، ولم يرد إلا الحياة الدنيا. موجه ابتداء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليهمل شأن أولئك المشركين الذين سبق الحديث في السورة عن أساطيرهم وأوهامهم وعدم إيمانهم بالآخرة.
وهو موجه بعد ذلك إلى كل مسلم يواجهه من يتولى عن ذكر الله ويعرض عن الإيمان به؛ ويجعل وجهته الحياة الدنيا وحدها، لا ينظر إلى شيء وراءها، ولا يؤمن بالآخرة ولا يحسب حسابها. ويرى أن حياة الإنسان على هذه الأرض هي غاية وجوده، لا غاية بعدها؛ ويقيم منهجه في الحياة على هذا الاعتبار، فيفصل ضمير الإنسان عن الشعور بإله يدبر أمره، ويحاسبه على عمله، بعد رحلة الأرض المحدودة، وأقرب من تتمثل فيه هذه الصفة في زماننا هذا هم أصحاب المذاهب المادية.
والمؤمن بالله وبالآخرة لا يستطيع أن يشغل باله- فضلًا على أن يعامل أو يعايش- من يعرض عن ذكر الله، وينفي الآخرة من حسابه. لأن لكل منهما منهجًا في الحياة لا يلتقيان في خطوة واحدة من خطواته، ولا في نقطة واحدة من نقاطه، وجميع مقاييس الحياة، وجميع قيمها، وجميع أهدافها. تختلف في تصور كل منها فلا يمكن إذن أن يتعاونا في الحياة أي تعاون، ولا أن يشتركا في أي نشاط على هذه الأرض. مع هذا الاختلاف الرئيسي في تصور قيم الحياة وأهدافها ومناهج النشاط فيها، وغاية هذا النشاط. وما دام التعاون والمشاركة متعذرين فما داعي الاهتمام والاحتفال؟ إن المؤمن يعبث حين يحفل شأن هؤلاء الذين يعرضون عن ذكر الله ولا يريدون إلا الحياة الدنيا. وينفق طاقته التي وهبه الله إياها في غير موضعها.
على أن للإعراض اتجاهًا آخر، هو التهوين من شأن هذه الفئة. فئة الذين لا يؤمنون بالله؛ ولا يبتغون شئيًا وراء الحياة الدنيا. فمهما كان شأنهم فهم محجوبون عن الحقيقة، قاصرون عن إدراكها، واقفون وراء الأسوار. أسوار الحياة الدنيا..
{ذلك مبلغهم من العلم}. وهو مبلغ تافه مهما بدا عظيمًا. قاصر مهما بدا شاملًا. مضلل مهما بدا هاديًا. وما يمكن أن يعلم شيئًا ذا قيمة من يقف بقلبه وحسه وعقله عند حدود هذه الأرض. ووراءها- حتى في رأي العين- عالم هائل لم يخلق نفسه. ووجوده هكذا أمر ترفضه البداهة. ولم يوجد عبثًا متى كان له خالق. وإنه لعبث أن تكون الحياة الدنيا هي نهاية هذا الخلق الهائل وغايته.. فإدراك حقيقة هذا الكون من أي طرف من أطرافها كفيل بالإيمان بالخالق. وكفيل كذلك بالإيمان بالآخرة. نفيًا للعبث عن هذا الخالق العظيم الذي يبدع هذا الكون الكبير.
ومن ثم يجب الإعراض عمن يتولى عن ذكر الله ويقف عند حدود الدنيا، الإعراض على سبيل صيانة الاهتمام أن يبذل في غير موضعه والإعراض على سبيل التهوين والاحتقار لمن هذا مبلغ علمه. ونحن مأمورون بهذا إن أردنا أن نتلقى أمر الله لنطيعه. لا لنقول كما قالت يهود: سمعنا وعصينا.. والعياذ بالله من هذا!
{إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى}..
وقد علم أن هؤلاء ضالون. فلم يرد لنبيه ولا للمهتدين من أمته أن يشغلوا أنفسهم بشأن الضالين. ولا أن يصاحبوهم. ولا أن يحفلوهم. ولا أن يخدعوا في ظاهر علمهم المضلل القاصر، الذي يقف عند حدود الحياة الدنيا.
ويحول بين الإدراك البشري والحقيقة الخالصة، التي تقود من يدركها إلى الإيمان بالله، والإيمان بالآخرة، وتتخطى به حدود هذه الأرض القريبة، وهذه الحياة الدنيا المحدودة.
وإن العلم الذي يبلغه هؤلاء القاصرون الضالون ليبدو في أعين العوام وأشباههم، عوام القلب والإدراك والحس، شيئًا عظيمًا ذا فاعلية وأثر في واقع الحياة الدنيا. ولكن هذا لا ينفي صفة الضلال عنهم في النهاية، ولا صفة الجهل والقصور. فحقيقة الارتباط بين هذا الوجود وخالقه. وحقيقة الارتباط بين عمل الإنسان وجزائه. هاتان الحقيقتان ضروريتان لكل علم حق. وبدونهما يبقى العلم قشورًا لا تؤثر في حياة الإنسان ولا ترقيها ولا ترفعها. وقيمة كل علم مرهونة بأثره في النفس وفي ارتباطات البشر الأدبية. وإلا فهو تقدم في الآلات وانتكاس في الآدميين. وما أبأسه من علم هذا الذي ترتقي فيه الآلات على حساب الآدميين!!!
وشعور الإنسان بأن له خالقًا خلقه وخلق هذا الكون كله، وفق ناموس واحد متناسق. يغير من شعوره بالحياة، وشعوره بما حوله وبمن حوله؛ ويجعل لوجوده قيمة وهدفًا وغاية أكبر وأشمل وأرفع، لأن وجوده مرتبط بهذا الكون كله؛ فهو أكبر من ذاته المعدودة الأيام. وأكبر من أسرته المعدودة الأفراد وأكبر من قومه، وأكبر من وطنه وأكبر من طبقته التي يطنطن بها أصحاب المذاهب المادية الحديثة. وأرفع من اهتمامات هذه التشكيلات جميعًا!
وشعور الإنسان بأن خالقه محاسبه في الآخرة ومجازيه. يغير من تصوراته ومن موازينه ومن حوافزه ومن أهدافه. ويربط الحاسة الأخلاقية في نفسه بمصيره كله، فيزيدها قوة وفاعلية. لأن هلاكه أو نجاته مرهونة بيقظة هذه الحاسة وتأثيرها في نيته وعمله. ومن ثم يقوى (الإنسان) ويسيطر على تصرفات هذا الكائن. لأن الرقيب الحارس قد استيقظ! ولأن الحساب الختامي ينتظره هناك. ومن الناحية الأخرى فهو مطمئن إلى الخير واثق من انتصاره في الحساب الختامي. حتى لو رآه ينهزم في الأرض في بعض الجولات! وهو مكلف دائمًا أن ينصر الخير ويكافح في سبيله سواء هزم في هذه الأرض أم انتصر لأن الجزاء النهائي هناك!
إنها مسألة كبيرة هذا الإيمان بالله والإيمان بالآخرة. مسألة أساسية في حياة البشر. إنها حاجة أكبر من حاجات الطعام والشراب والكساء. وإنها إما أن تكون فيكون (الإنسان) وإما ألا تكون فهو حيوان من ذلك الحيوان!
وحين تفترق المعايير والأهداف والغايات وتصور الحياة كلها هذا الاختلاف، فلا مجال حينئذ إلى مشاركة أو تعامل أو حتى تعارف ينشأ عنه قسط من الاهتمام.
ومن ثم لا يمكن أن تقوم علاقة أو صحبة أو شركة أو تعاون، أو أخذ وعطاء، أو اهتمام واحتفال بين مؤمن بالله. وآخر أعرض عن ذكره ولم يرد إلا الحياة الدنيا. وكل قول غير هذا فهو محال ومراء، يخالف عن أمر الله: {فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا}. {ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى}..
وهذا التقرير لملكية الله- وحده- لما في السماوات وما في الأرض، يمنح قضية الآخرة قوة وتأثيرًا. فالذي جعل الآخرة وقدرها هو الذي يملك ما في السماوات وما في الأرض وحده، فهو القادر على الجزاء، المختص به، المالك لأسبابه. ومن شأن هذه الملكية أن تحقق الجزاء الكامل العادل: {ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى}..
ثم يحدد الذين أحسنوا هؤلاء، والذين يجزيهم بالحسنى.. فهم:
{الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم}..
وكبائر الإثم هي كبار المعاصي. والفواحش كل ما عظم من الذنب وفحش. واللمم تختلف الأقوال فيه. فابن كثير يقول: وهذا استثناء منقطع لأن اللمم من صغار الذنوب ومحقرات الأعمال. قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس قال: ما رأيت شيئًا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى إذا كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة. فزنا العين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرْج يصدق ذلك أو يكذبه».
وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن ثور، حدثنا معمر، عن الأعمش، عن أبي الضحى أن ابن مسعود قال: «زنا العين النظر، وزنا الشفتين التقبيل، وزنا اليدين البطش، وزنا الرجلين المشي. ويصدق الفْرج أو يكذبه. فإن تقدم بفرجه كان زانيًا وإلا فهو اللمم». وكذا قال مسروق والشعبي.
وقال عبد الرحمن بن نافع الذي يقال له ابن لبابة الطائفي، قال: سألت أبا هريرة عن قول الله: {إلا اللمم} قال: القبلة والنظرة والغمزة والمباشرة. فإذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل. وهو الزنا.
فهذه أقوال متقاربة في تعريف اللمم.
وهناك أقوال أخرى:
قال علي بن طلحة عن ابن عباس: {إلا اللمم} إلا ما سلف. وكذا قال زيد بن أسلم.
وقال ابن جرير: حدثنا ابن المثنى، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة بن منصور، عن مجاهد، أنه قال في هذه الآية: {إلا اللمم} قال: الذي يلم بالذنب ثم يدعه.
وقال ابن جرير: حدثنا سليمان بن عبد الجبار: حدثنا أبو عاصم، حدثنا زكريا عن ابن إسحاق، عن عمر بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس: {الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم}.. قال هو الرجل يلم بالفاحشة ثم يتوب. وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن تغفر اللهم تغفر جما وأي عبد لك ما ألما»؟
وهكذا رواه الترمذي عن أحمد بن عثمان البصري عن أبي عاصم النبيل.
ثم قال: هذا حديث صحيح حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث زكريا بن إسحاق. وكذا قال البزار لا نعلمه يروى متصلًا إلا من هذا الوجه.
وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيع. حدثنا يزيد بن زريع. حدثنا يونس، عن الحسن، عن أبي هريرة رضي الله عنه (أراه رفعه) في {الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم}. قال: اللمة من الزنا ثم يتوب ولا يعود. واللمة من السرقة ثم يتوب ولا يعود. واللمة من شرب الخمر ثم يتوب ولا يعود. قال: فذلك الإلمام.. وروي مثل هذا موقوفًا على الحسن.
فهذه طائفة أخرى من الأقوال تحدد معنى اللمم تحديدًا غير الأول.
والذي نراه أن هذا القول الأخير أكثر تناسبًا مع قوله تعالى بعد ذلك: {إن ربك واسع المغفرة}.. فذكر سعة المغفرة يناسب أن يكون اللمم هو الإتيان بتلك الكبائر والفواحش، ثم التوبة. ويكون الاستثناء غير منقطع. ويكون الذين أحسنوا هم الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش. إلا أن يقعوا في شيء منها ثم يعودوا سريعًا ولا يلجوا ولا يصروا. كما قال الله سبحانه: {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون} وسمى هؤلاء (المتقين) ووعدهم مغفرة وجنة عرضها السماوات والأرض.. فهذا هو الأقرب إلى رحمة الله ومغفرته الواسعة.
وختم الآية بأن هذا الجزاء بالسوءى وبالحسنى مستند إلى علم الله بحقيقة دخائل الناس في أطوارهم كلها.
{هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذْ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم}..
فهو العلم السابق على ظاهر أعمالهم. العلم المتعلق بحقيقتهم الثابتة، التي لا يعلمونها هم، ولا يعرفها إلا الذي خلقهم. علم كان وهو ينشئ أصلهم من الأرض وهم بعد في عالم الغيب. وكان وهم أجنة في بطون أمهاتهم لم يروا النور بعد. علم بالحقيقة قبل الظاهر. وبالطبيعة قبل العمل.
ومن كانت هذه طبيعة علمه يكون من اللغو- بل من سوء الأدب- أن يعرّفه إنسان بنفسه، وأن يعلمه- سبحانه- يحقيقته! وأن يثني على نفسه أمامه يقول له: أنا كذا وأنا كذا: